عندما أعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري في نيسان 2016 أنّ فريقَيْ 8 و14 آذار دخلا في موت سريري، لم يكن الأول الذي ينعى بشكل غير مباشر 14 آذار. فرئيس اللقاء الديمقراطيالنائب وليد جنبلاط كان قد سبقه إلى ذلك. ففي اجتماع الجمعية العامة للحزب التقدمي الاشتراكي الذي عقد آنذاك في فندق البوريفاج في الثاني من آب 2009 أعلن "بك المختارة" أنّ تحالفه مع قوى 14 آذار كان بحكم الضرورة ويجب ألا يستمرّ. وقال: علينا إعادة التفكير بتشكيلة جديدة من أجل الخروج من الانحياز وعدم الانجرار إلى اليمين.
أرخت التباينات في مواقف مكوّنات 14 آذار تشرذماً على واقعها منذ العام 2009، مروراً بغياب الرئيس سعد الحريري عن لبنان بعد إسقاط حكومته منالرابية عام 2011، حيث أصبح كلّ طرف يتصرّف علىقاعدة "كلّ مين إيدو إلو" وصولاً إلى انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. هذا الواقع لا يتنكّر له أحد نواب تيار المستقبل لـ "البناء"، الذي لا يُعير اهتماماً لما يُحكى عن توحيد 14 آذار، طالما أنّ التباينات الداخلية على أشدّها.
فهل تنجح محاولات إعادة إحياء 14 آذار قبل الانتخابات النيابية؟ يقول مصدر سياسي من فريق 8 آذار لـ "البناء" إنّ 14 آذار انتهت، متحدّثاً عن تطوّرين حاسمين كبيرين ساهما في ذلك بعد انتقال النائب جنبلاط إلى الوسطية. الأول مسارعة الرئيس سعد الحريري إلى ترشيح النائب سليمان فرنجية قبل أن يعود ويتبنّى دعم الرئيس العماد ميشال عون. والتطوّر الثاني ردّ رئيس حزب القوات سمير جعجع على خطوة الحريري بتسمية الجنرال عون للرئاسة. هاتان الخطوتان اللتان أدتا عملياً إلى انتخاب الرئيس عون، أجهزتا، بحسب المصدر نفسه، على ما تبقى من 14 آذار وأدّتا إلى وأد الفكرة، ما خلق خلطاً للتحالفات بين 8 و14 آذار. إذ إنّ جلسة انتخاب الجنرال عون رئيساً أثبتت ذلك. حيث صوّت الرئيس بري ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل والنائب فرنجية بورقة بيضاء وبأوراق تحمل أسماء أخرى، بيد أنّ حزب الله والقوات وتيار المستقبل والحزب السوري القومي الاجتماعي صوّتوا لصالح العماد عون.
هذا المسلسل يثبت، بحسب المصدر نفسه، أنّ 14 آذار ولّت كمشروع وتنظيم وكإطار عملي إلى غير رجعة. فهناك تصريحات للنائب الجميّل يؤكد فيها أنّ 14 آذار خيّبت أملنا،لأنها ترفض ردّ العنف بالعنف وفرض رأيها على الآخرين. وأيضاً للنائب فارس سعيد الذي قال منذ نحو سنة، إنّ تنظيم 14 آذار انتهى من بعد التسويات التي حصلت ووجهات النظر المختلفة داخل هذه القوى، من دون أن يُعير المصدر نفسه، أهمية لخطابات الحكيم أنّ 14 آذار باقية ومشروعها مستمرّ.
بناء على ذلك، يشدّد المصدر نفسه، على أنّ الحديث عن إعادة إحياء الروح في 14 آذار قد يكون خياراً لمكوّناتها. لكن تكتل هذه المكونات على صعيد الانتخابات بات من المستحيلات. فالظروف التي أنتجت 14 آذار في العام 2005 لم تعد موجودة، فضلاً عن أنّ أحداً لا يملك الأهلية لإعادة تشكيل تحالفات تكون رافعة ضدّ العهد أو ضدّ حزب الله.
ويغمز المصدر من كواليس أفرقاء "ثورة الأرز" المقتنعين بأنّ 14 آذار أعدمت نفسها بنفسها. فرئيس الحكومة مكسور مالياً وسياسياً. والقانون الانتخابي الجديد سيبدّد ما يسمّى المحادل الكبرى والكتل الكبرى. فمرحلة التزيّن بنواب ما فوق الثلاثين ستولّي إلى غير رجعة، على ضوء القانون الجديد.